العلاج السلوكي المعرفي للإدمان هو الأهم مقارنة بمراحل طرق علاج الادمان الأخرى. وذلك لأنه يستهدف تعديل الاضطرابات النفسية والسلوكية السلبية التي يعاني منها المدمن. مما يمكنه من التعافي بشكل كامل وعدم التعرض لانتكاسة مفاجئة.
ولكن كيف يتم العلاج المعرفي السلوكي للإدمان، وما هي أهميته، وماذا عن تقنياته المختلفة؟
من هو المدمن ؟
المدمن هو شخص يلهث وراء شيء يعلم مدى ضرره، ولكنه أصبح معلقا به دون وعي أو إرادة منه. فبسبب انجراف سلوكي ما تحدث الإصابة بالإدمان ويرى الشخص في مادة أو مشروب أو حتى لعبة أمل زائف ونشوة زائلة. مع الوقت يصبح الإدمان الرفيق الذي لا يفارق صاحبه و يحلّ عليه تدريجيا. ويتسرب إلى نفسه وجسده بهدوء ثم يحتل روحه ويستنفد طاقته.
و الإدمان بأنواعه واحد من الأمراض والاضطرابات النفسية. و التي لديها القدرة على تغيير حياة الشخص إلى النقيض وبصورة سلبية كبيرة في وقت وجيز. فيصبح المدمن له تصرفات وسلوكيات تؤثر على صحته الجسمانية والعقلية دون أن يكون هناك قدرة منه على التوقف عن ما يفعل رغم علمه بالأضرار. فالمادة المخدرة أو السلوك الإدماني الذي يسير عليه يجذبه بقسوة.
و مما لا شك فيه أن بعض أكبر التغييرات التي سيحدثها الإدمان على المخدرات أو الكحول في حياة المدمن هي التغييرات في طريقة التفكير والسلوك. كلما وقعت في تعاطي المخدرات، تصبح حياته أقل توافقاً مع البحث عن المواد واستخدامها. و تؤدي هذه العملية إلى تغييرات في السلوك والأفكار يصعب كسرها.
حقيقة الادمان
من الحقائق الصادمة حول الإدمان، إنه مرض مزمن كأمراض السكر أو القلب. فلا علاج نهائي وشامل له، ولكن يمر المريض بمراحل سكون وهدوء وتعافي. ومراحل أخرى من الانتكاسات والعودة بمعني “مفيش حاجة اسمها تبطيل”. ولكن يمكن التعافي من الإدمان عندما يدرك الشخص السلوكيات والبيئة التي تجعله يعيد التجربة مرة أخرى. فيعي كيف يواجه نفسه ويظل متمسكا بقدرته على التعافي.
يقول عالم يوناني” إن الإنسان يعاني ليس بسبب الأحداث ولكن برأيه فيها” ومن هنا أتت فكرة العلاج السلوكي المعرفي. والذي يعتبر كلمة سر في علاج الإدمان من المخدرات والتخلص منها نهائيا وتحقيق نجاح باهر في تقليل نسب الانتكاسة. فهو يعيد التوازن لحياة مريض الإدمان ويغير تفكيره بشكل شامل. وبالتالي يخلصه من سيطرة المخدر والأفكار القهرية و التي تدفعه للتعاطي. وذلك عبر اتباع عدة خطوات معينة يقوم بها الطبيب و المعالج الخاص به.
ما هو علاج الإدمان السلوكي؟
ينتمي العلاج السلوكي المعرفي إلى فئة من العلاج تسمى العلاج النفسي. يشار إليها عمومًا باسم “العلاج بالكلام”، وفقًا للتحالف الوطني للأمراض العقلية (NAMI)
و قد ظهر علاج الإدمان السلوكي بغرض مساعدة الأشخاص على معالجة المشاعر والأفكار السلبية مما يسهل مكافحة الإدمان. وأصبح يستخدم اليوم على نطاق واسع في مصحات علاج الإدمان.
(CBT) أو ما يعرف بالعلاج بالكلام هو أحد أنواع العلاج النفسي الشائعة التي تطبق في مراكز علاج الإدمان. ويعد اسمه دلالة على طريقة عمله فالجزء الأول “المعرفي” يدل على الأفكار التي تفكر فيها والجزء الثاني “السلوكيات”.
يشير للسلوكيات وردود أفعالك الناتجة عن تلك الأفكار السلبية والتي يسعى العلاج إلى تغييرها.
و تقوم طريقة العلاج المعرفي السلوكي على محورين :
أولاُ: الأفكار
حيث يستهدف إلى مساعدة المريض عن طريق معرفة وتغيير الأفكار المدمرة التي تتلاحق في رأسه عن طريق الطرق والوسائل التدريبية.
ثانياً: السلوكيات
حيث يهدف إلى تحسين الاضطرابات المزاجية ومنعها من التفاقم. وذلك عن طريق منع هذه الأفكار واستبدالها بأفكار أخرى أكثر صحة وإيجابية مما يساهم في تغيير سلوكيات المريض إلى حد كبير.
لذا تقوم جلسات العلاج المعرفي على معرفة ردود الفعل و المشاعر تجاه المواقف الصعبة والتجارب المؤلمة. والتي تعرض لها المُعَالَج في الماضي والأحداث التي تواجهه وتغيير سلوكه وأفكاره ومشاعره السلبية التي تسيطر عليه. واستبدالها بأفكار أخرى إيجابية مع تغيير وجهة نظره في نفسه ومن حوله وإعادة الثقة والقيمة إلى ذاته مرة أخرى. وبذلك يستطيع التعامل مع الضغوط الصعبة ومواجهتها بهدوء وإدارة حياتك بشكل سليم.
حيث يقوم العلاج المعرفي السلوكي للادمان على تحديد السلوكيات والمشاعر غير المنطقية التي نتجت عن بعض التجارب السيئة أو العوامل البيئية المختلفة. ثم التحدث مع المدمن حولها، ليفهم جيدًا لماذا يقوم بهذه السلوكيات التي تسبب الإدمان. ويصبح مؤهلًا للتغلب عليها بكل سهولة.
و قد اكتسبت الطريقة هذا الاسم لأن المشاركين في العلاج السلوكي المعرفي يجلسون مع معالج ويتحدثون عن:
- فهم أو استكشاف المشاعر.
- فهم أو استكشاف السلوكيات.
- بناء مهارات التأقلم
أهمية العلاج المعرفي السلوكي
يقوم المعالجون السلوكيون بمساعدة المدمن على التعافي من خلال تحديد الأفكار السلبية التي تظهر بشكل تلقائي والدوافع التي تسببت في ظهورها. بالإضافة إلى معرفة المشاعر التي تدور داخل عقل المدمن وما تحمله من خوف أو شك. وذلك لأنها السبب الرئيسي لتعاطي المخدرات وإدمانها.
وعن طريق إعادة النظر فيما حدث مسبقًا، يستطيع المدمن أن يتعافى من الألم الناتج عن أفعاله السابقة أو المواقف التي تعرض إليها، وتعلم سلوكيات جديدة وإيجابية واستبدالها بتلك التي نتجت عن تعاطي المخدرات أو الكحول.
وإلى جانب عواقب الإدمان، يستخدم العلاج المعرفي السلوكي للإدمان لعلاج بعض الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المدمن وأبرزها:
- القلق.
- اضطراب نقص الانتباه.
- اضطراب الوسواس القهري.
- اضطرابات الأكلات.
و تمثل الأفكار السلبية المصاحبة لإدمان المخدرات السبب الرئيسي للإصابة بالقلق والاكتئاب، ويساعد العلاج المعرفي السلوكي للإدمان على التعافي من خلال:
- مكافحة كافة الأفكار والمعتقدات السلبية التي تؤدي إلى إدمان المخدرات.
- المساعدة على تحسين مزاج المدمن.
- تعليم المدمن كيفية التواصل مع الآخرين بطريقة صحيحة.
- الوقوف على العوامل الأساسية التي سببت الإدمان، والابتعاد عنها.
- التقليل قدر الإمكان من التفكير في تعاطي المخدرات مرة أخرى.
تقنيات العلاج السلوكي المعرفي
برغم أنه توجد أنواع مختلفة من أنواع العلاج السلوكي المعرفي. إلا أن الهدف الذي تصل إليه كل هذه الوسائل هو تغيير الأفكار التي تتلاحق بمريض الاضطرابات النفسية. والتي تساهم بشكل كبير في تفاقم الاضطراب النفسي والوصول إلى المضاعفات النفسية.
وأهم 4 تقنيات تستخدم في العلاج المعرفي السلوكي للإدمان هم:
1- إعادة التأهيل المعرفي:
يتم فيه التعرف على أنماط التفكير السلبية، فربما يميل الشخص إلى التعميم في بعض السلبيات، أو افتراض الأسوأ دائمًا، أو وضع أهمية كبيرة على بعض الأشياء التي لا تستحق. ممايؤدي إلى التأثير على سلوكيات الفرد ويحولها إلى سلبية.
لذلك تجد المعالج النفسي يعرض بعض المواقف و يسأل عن كيفية التفكير في هذه المواقف. لكي يستطيع تحديد الأنماط السلبية، الذي يساعد على تعلم كيفية إعادة تهيئة تلك الأفكار لتكون إيجابية وفعالة.
2- رؤية الأشياء من منظور آخر:
يقوم المعالج بمعرفة وجهة نظر المريض حول شئ ما، ثم يطرح عدة أسئلة تم تصميمها خصيصًا لتحدي معتقداتك وتوسيع تفكيرك، وتغيير وجهة نظرك للأمور، وهنا قد يطلب تقديم بعض الأدلة التي تدعم وجهة النظر ، وكذلك الادلة التي لا تدعمها، وهو ما يساهم في رؤية الأشياء من منظور أخر.
3- مواجهة الخوف:
يستخدم المعالج تقنية مواجهة الخوف لتمكين المريض من مكافحة القلق والخوف تجاه بعض الأشياء. حيث يعرض المدمن لبعض الأشياء التي تسبب له الخوف الشديد، ويقدم له بعض التوجيهات حول كيفية التعامل معها بطريقة صحيحة.
4- تدوين الأفكار يوميًا:
الكتابة من أهم الطرق التي تساعدك على التواصل مع ما يدور داخل ذهنك. وقد يطلب منك المعالج تدوين الأفكار السلبية التي راودتك بين الجلسات. وكذلك الأفكار الإيجابية التي يمكن التطلع إليها بدلًا من السلبية والتركيز على تحقيقها، ثم تدوين مدى التقدم الذي أحدثته.
كيف يختلف العلاج المعرفى السلوكى عن العلاجات النفسية الأخرى
- يوفر العلاج السلوكى المعرفى بديلاً عمليًا لأساليب العلاج الأقل جاذبية.
- يقوم المدمنون الذين يتعافون بأكثر من مجرد التحدث إلى أخصائيي العلاج أثناء جلسة العلاج السلوكى المعرفى. ويقوم المعالجون بأكثر من الاستماع السلبي. بدلاً من ذلك ، يعمل المدمنون والمعالجون معًا لعلاج الإدمان.
- يقوم العلاج السلوكى المعرفى على العلاج السريع المركّز على الحركة. تتضمن العديد من برامج إعادة التأهيل لمدة 60 إلى 90 يومًا العلاج السلوكى المعرفى لتزويد الأشخاص بتقنيات المواجهة الفورية.
- بعض تقنيات العلاج النفسي قد تستغرق سنوات حتى يكون لها تأثير قوي. يتطلب العلاج المعرفي السلوكي في كثير من الأحيان 16 جلسة لتحقيق نتائج مفيدة.
- يعد برنامج العلاج السلوكى المعرفى قابلاً للتكيف ، مما يجعله فعالًا في إعدادات المرضى الداخليين والخارجيين. بالإضافة إلى بيئات الاستشارة الفردية والجماعية. العديد من المعالجين ومراكز علاج الإدمان تشمل العلاج المعرفى السلوكى كجزء من خطط الشفاء الخاصة بهم.
كم تبلغ مدة العلاج المعرفي السلوكي؟
يتم تحديد مدة العلاج المعرفي السلوكي حسب حالة المريض، لكنها في المتوسط تستمر لفترة 3 أشهر، وتزيد عن ذلك في الحالات المرضية المتقدمة.
الوقاية من الأدمان
- اهتمام المرء بنفسه والعمل على تحسين وضعه
- تقوية روابط الزواج والعلاقات الاسرية
- وجود أنشطة ترويحية بديلة ( الاندية ، الرياضة ، القراءة )
- توعية الآباء والابناء بشأن مخاطر المخدرات
- تجنب رفاق السوء
- انقاص حجم الرسائل الاعلامية التي تروج المخدرات
- تحسين البيئة المدرسية وانقاص فرص الحصول على المخدرات
- سن قوانين صارمة تتضمن أقسى العقوبات لمن يتاجر أو يزرع أو يتعاطى المخدرات
- اقامة الندوات وتوزيع نشرات خاصة ، لتعريف المواطنين ولاسيما الشباب منهم باضرار المخدرات .
- عدم تعاطي الادوية الا عند الحاجة الضرورية
- تعريف الأطفال على مخاطر الإدمان يعتبر خطوة فعالة في حمايتهم من الإدمان مستقبلاً. ولا بد أن يكون هذا التعريف بعيداً عن الصور النمطية ومعززاً بالشرح والمعلومات المثبتة.
- تعزيز قدرة الأطفال والمراهقين على مواجهة مشاكلهم بشجاعة يحميهم من اللجوء إلى الإدمان للهروب من الواقع.
- مراقبة تطور سلوك ووعي الأطفال والمراهقين، ومراقبة عاداتهم الجديدة وأصدقائهم الجدد يساعد في الكشف المبكر عن الإدمان.
- تنمية الوازع الأخلاقي والديني عند الأطفال والمراهقين يساعدهم أيضاً في الابتعاد عن العادات السيئة التي تسبب أضراراً لهم ولمجتمعهم والتي تعتبر مرفوضة دينياً.
- المثبت أن وجود أسرة محبة ومترابطة من شأنه أن يحمي أفرادها من خطر الإدمان.
- محاربة البطالة يعتبر أمراً مهماً في التصدي للإدمان، وذلك لا يكون فقط على مستوى الحكومات، بل على الأهل أيضاً أن يعطوا أبناءهم الخبرات والعلوم اللازمة لدخول سوق العمل
- منح الأبناء سمات شخصية مميزة تجعلهم أكثر ثقة بأنفسه